ادعمنا

مدرسة ويلز (أبريستويث) للدراسات الأمنية - (Welsh School of Security Studies (Aberystwyth

يعد الأمن من أصعب المفاهيم التي يتناولها التفسير العلمي، فهو أحد أبر مفاهيم العلاقات الدولية التي لا تزال تتميز بالغموض هذا ما جعله يفتقد لتعريف دقيق ومحدد بشكل تام، فهو مفهوم معقد ينبغي تعريفه الإلمام بالعديد من الجوانب، وتأسيسا على ذلك ظهرت العديد من النظريات والمدارس في محاولة منها اعطاء تفسير للأمن بمختلف جوانبه ومن بين هذه المدارس، مدرسة ويلز "أبريستويث"، وهذا ما سيتم تناوله في ما يلي: 

 

نشأة وتطور مدرسة ويلز "أبريستويث" للدراسات الأمنية:

تجدر الإشارة بداية إلى أن أبريستويث بلدة صغيرة تقـع على الساحل الغربي من ويلز، وتعتبر معقـل أول قـسم للـسياسة الدوليـة في العالم "كرسي ويدرو ويلسون الذي تأسس عام "1919، والتي أصبحت مـع بداية التسعينيات معقل المقاربة النقدية للأمن بقيادة علـماء مثـل "كـين بـوث" و"ريتشارد واين جونز"، أما كحركة فكرية وكتيار تنظيري تعود الجذور الأولى للمدرسة الانجليزية إلى بداية الخمسينيات من القرن الماضي وذلك عبر ما يسمى اللجنة البريطانية لنظرية السياسات الدولية، ويعتبر "روي جونس "أول من أشار إلى المدرسة في مقال نشره في مجلة الدراسات الدولية سنة 1981 م  تحت عنوان "المدرسة الانجليزية للعلاقات الدولية" ومن بين مؤسسي هذه المدرسة نجد: "شارلز مانينج"  و"مارتن وايت" حيث مرت هذه المدرسة بأربعة مراحل أساسية ويمكن تلخيصها فيما يلي:

- المرحلة الأولى : امتدت من سنة 1959 من خلال إنشاء اللجنة البريطانية إلى سنة  1966مع نشر كتاب" التحقيقات الدبلوماسية" لكل من "باترفلد" و "وايت"  

- المرحلة الثانية:  امتدت من 1966 إلى سنة 1977 حيث تميزت بإسهامات كل من "وايت" في عمله "أنظمة الدول" و"هيدلي بول" في  "المجتمع الفوضوي" وكذلك "فانسون" في عمله "عدم التدخل". 

- المرحلة الثالثة: امتدت من سنة 1977 إلى غاية ،1992 التي تميزت بإسهامات كل من "بول واطسن "في عمله" توسع المجتمع الدولي،" وكذلك " فانسون" في عمله "السياسة الخارجية وحقوق الانسان".

- المرحلة الرابعة: تبدأ من سنة 1992 إلى غاية اليوم ويتعلق الأمر بوصول جيل جديد من المفكرين والخبراء لا يرتبطون باللجنة البريطانية بحيث سايرت مقارباتهم مختلف السياقات والتطورات الحاصلة في نظرية العلاقات الدولية من خلال " الدراسات الدولية البريطانية" و"جمعية الدراسات الدولية"، حيث أن هاتين المؤسستين تهدفان إلى إعادة تنظيم المدرسة الإنجليزية من خلال مجموعة من المفكرين أمثال " جاكسن بيس"، و "ريتشارد ليتل"، و"نيكولاس رينج"، وغيرهم.. ليشكلوا ما يعرف بالمدرسة الانجليزية الجديدة.

 

اسهامات مدرسة ويلز "أبريستويث" للدراسات الأمنية:

انطلقت مدرسة ویلز في تصورها الموسع لمفهوم الأمن من انتقادها لأهم الأفكار والمسلمات القائمة على تركیز الواقعیة وكذلك مدرسة كوبنهاغن حول مركزیة الأمن الوطني والأمن المجتمعي والفهم الصفري للأمن، إذ یكتب "بوث" في ذلك" تبدأ الدراسات النقدیة برفض النظریة الكلاسیكیة للأمن، إنها ترفض بشكل خاص تعریف السیاسة الذي یضع الدولة وسيادتها مركز الموضوع" فإذا كان الأمن یتمثل في غیاب التهديدات الأمنیة، فإن الانتهاكات الجسمیة لحقوق الإنسان والاضطهاد السیاسي ونقص الموارد، النزاعات الإثنیة، مشكلات الهجرة والاندماج، الإرهاب، الجریمة، تعتبر تهديدات وتحدیات أكثر واقعیة وملموسة وأكثر خطورة، وعلى هذا الأساس فالمدرسة الویلزیة تجاوزت فكرة توسیع وتعمیق مفهوم الأمن باقتراحها انطولوجیا جدیدة تسع أكثر للمراجع الأمنیة خارج نطاق الدولة وتصبح تشمل الأفراد والجماعات وحتى الإنسانة جمعاء، وبذلك تتمثل أهم ما جاءت به مدرسة ويلز في ما يلي:

1 - انعتاق الانسان كهدف جوهري للدراسات الأمنية:

أول من طرح هذا المفهوم أو المقاربة هو " كين بوث "في مقال له تحت عنوان "الأمن والإنعتاق" سنة 1991 حيث دعى إلى ضرورة إعادة تصور الأمن وتعريفه كإنعتاق مع "ريتشارد واين جونز"  وذلك استنادا إلى أفكار مدرسة فرانكفورت بالتركيز على مفهوم الإنعتاق الذي يقوم تحت ثلاثة أشكال:

- الإنعتاق يمكن أن يعتبر كركيزة فلسفية أي كنقطة مرجعية لتقييم مدى مصداقية المقترحات القيمية.

- الإنعتاق هو عبارة عن مسار تطوري يتطلب نقدا هاما لذلك فإنه من المستحيل أن يتجسد كلية.

- الإنعتاق يمكن أن يستخدم كدليل تكتيكي من أجل تحقيق الأهداف، حيث تعتبر مدرسة ويلز أن الإنعتاق هو عبارة عن صياغة تقوم على أساس الالتزام المعياري بالسياسات العادية، كما أن الإنعتاق المنتج للأمن صحيح لا يقوم على القوة والنظام، فنظريا الإنعتاق هو الأمن كمفهوم سياسي معياري يعبئ الرأي العام ويحرك مختلف القوى المادية أي القيام بعملية تعبئة جماهيرية لأهداف انعتاقية وبالتالي إعادة تعريف الأمن بالتركيز على الأفراد والجماعات التي تم تهميشها واقصاءها من النظام في إطار المقاربات التقليدية للأمن.

ويرى كل من "كين بوث" و"هوركهايمر" بضرورة توسيع مفهوم الأمن ليشمل التهديدات التي تحد من حرية الإنسان وانعتاقه وليس التهديدات التي تمس أمن الدولة فقط، فالتهديدات غير العسكرية مثل الفقر والتدهور البيئي وخرق حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وعدم المساواة بين الدول وداخلها فهي تهديدات تتجاوز أخطارها حدود الدولة وتهدد الإنسانية جمعاء، حيث يرى بوث أن الأمن يعني الانعتاق الذي يعرف على أنه: "خطاب للسياسة يسعى إلى حماية الناس من الجور والقيود التي تحد من تنفيذهم لما يختارون بحرية بالتوافق مع حرية الآخرين، فهو يمنحنا إطارا ثلاثيا للسياسة كمرسى فلسفي للمعرفة، نظرية لتطور المجتمع وممارسة لمقاومة الظلم، فالانعتاق هو فلسفة ونظرية وسياسة لاكتشاف الإنسانية"، ويمثل الانعتاق حسب "كين بوث" قلب النظرية النقدية للأمن العالمي، ويقصد بالانعتاق عموما في هذه النظرية بالحرية من جميع القيود التي يمكن أن تعيق الأفراد والشعوب من تجسيد خياراتهم، فهو السعي نحو تحقيق الرفاهية المادية والعيش الكريم، والتحرر من قيود الطبيعة والندرة والحرية من الجهل والخرافات، وهو يسعى إلى العدالة والحرية من الاستبداد بمختلف أشكاله السياسي والاستغلال الاقتصادي.

2- الفرد كموضوع مرجعي للأمن:

بالنسبة لمدرسة ويلز الموضوع المرجعي للأمن ينبغي أن يكون الفرد، وليس الدولة، وليس حتى الجماعة، فأمن الفرد لا يمكن دراسته في سياق موضوع مرجعي أشمل، كأمن الدول أو أمن الجماعة، فالدولة أو الجماعة يمكن أن تكون آمنة بينما يعاني الفرد من مآسي انعدام الأمن، بل إن الدولة/ الجماعة، قد تكون في حد ذاتها مصدرا لانعدام أمن الفرد، وبهذا وضعت مدرسة ويلز الفرد في قلب المشهد، لتصبح لائحة التهديدات شاملة لجميع أشكال المخاطر والتهديدات والانكشافات التي يواجهها الانسان في حياته اليومية، ويصبح بذلك أمن الفرد هو الانعتاق منها، ولذلك يرى أنصار مدرسة أبريستويث أن موضوع الحقيقة أو المعرفة الأمنية ليس الفرد في سياق الدولة وإنما الفرد غير الآمن في بعده الذاتي، ويؤدي وضع الأفراد في مركز التحليل الأمني إلى صعود مجموعة من التهديدات والمخاطر ذات طبيعة مختلفة ومتغيرة وبالتالي إلى قلب الأجندة الأمنية فإضافة إلى تهديد الدولة يواجه الفرد مجموعة متغيرة من التحديات تمتد من العنف الجسدي  و الاضطهاد و تردي الوضع الصحي و الجهل وانخفاض لمستوى المعيشي و البطالة وغيرها من التهديدات والمخاطر الوثيقة الصلة بالحياة الروتينية للأفراد هكذا يصبح أمن الأفراد عبارة عن انعتاق من مثل  هذه الظروف وهو كفاح مستمر ضد اللاأمن.

3- دور المؤسسة الأكاديمية في إنتاج الحقيقة والمعرفة الأمنية :

يرى أنصار مدرسة أبريستويث أن تجاوز المنظور التقليدي للأمن يتطلب أكثر من مجرد نقد خلفية الدراسات الأمنية التقليدية و لكن أيضا نقد الإطار المؤسسي " الذي أنتجت فيه هذا يعني التحقيق في كيفية تكوين الحقل المعرفي داخل السياقات المؤسسية أي الجامعات و المعاهد ومراكز البحث و الدوائر الحكومية والمنظمات و المؤسسات غير الحكومية ،فإن الحقيقة والمعرفة الأمنية حسب منظور أبريستويث لا تأتي من فراغ كما أنها ليست مجرد إقرارات أو أحكام علمية مبنية على مراقبة ظواهر معينة هي تعبر عن صراع أفكار و قيم و تقاليد و مصالح متباينة داخل الإطار المؤسسي الذي تنتج عنه و بالتالي تعريف القضية الأمنية يتم دائما بواسطة عملية جدالية و تساومية بين المنظرين داخل لمؤسسة العلمية ،لقد أشارت ريتا توراك في تحليلها لأعمال مدرسة أبريستويث إلى أن الوحدة داخل لأكاديمية حول تعريف الأمن كإنعتاق هو شرط أساسي لأنصار المدرسة لاعتماد المفاهيم في العالم الحقيقي، يجب أن يبدأ من داخل الأكاديمية، حيث أن هناك مصدران للمعرفة الأمنية داخل المؤسسة، أولا التأطير العلمي حيث نجد أغلبية الطلبة ينسجون على منوال أساتذتهم أو يتبعون التوجه السائد و كما كتب بوث" كاختصاصي أمن متخرجين نحن إلى حد كبير ما يصنعه أساتذتنا"، ثانيا التمويل و الدعم المالي.

 

المصادر والمراجع:

سيد احمد قوجيلي، تطور الدراسات الأمنية ومعضلة التطبيق في العالم العربي. ط1. أبو ظبي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2012.

سيد أحمد قوجيلي، الدراسات الأمنية النقدية ، مقاربات جديدة لإعادة تعريف الأمن ، ط.1.  الأردن: المركز العلمي للدراسات السياسية، 2014.

محمد حمشي، "مدخل إلى المدارس الأوروبية في الدراسات الأمنية النقدية". "المجلة الجزائرية للأمن الإنساني"، ع6، جويلية 2018.

إدريس عطية، "النقاشات النظرية في المدارس الأمنية الأوروبية تجاه مسألتي الهجرة واللجوء". "مجلة الدراسات الاستراتيجية والعسكرية"، مج1، ع1، سبتمبر 2018.

عبد الجبار بن عرعور، "الدراسات الأمنية في ظل الواقع الأمني الدولي الراهن- دراسة في الواقع والتحديات". جامعة محمد لمين دباغين –سطيف2، كلية الحقوق و العلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، مذكرة مكملة من مقتضيات نيل شهادة الماستر في العلوم السياسية، تخصص : سياسة دولية، 2018.

حنان عنان، "الهجرة واللجوء وانعكاساتها على أمن الدول _دراسة حالة_ هجرة ولجوء السوريين نحول أوروبا". جامعة  ماي 1945 قالمة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماستر في العلوم السياسية، تخصص علاقات دولية ودراسات أمنية، 2016.

وسام ميهوب، "أثر المتغيرات الاقليمية والعالمية لمرحلة ما بعد الحرب الباردة على أمن الأنظمة السياسية العربة". جامعة محمد خيضر بسكرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، تخصص علاقات دولية واستراتيجية، 2014.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia